السبت، 29 أغسطس 2009

فتوى عنصريه !


فتوي عنصرية‏!‏
بقلم : حازم عبدالرحمن
من حق المسلم أن يتبرع من ماله لبناء كنيسة‏,‏ أو معبد يهودي‏,‏ أو أي دار عبادة لأتباع أية ديانة أو عقيدة مهما كانت‏,‏ فالمهم هو أن تكون العلاقات بين المسلمين وبين أتباع مختلف الملل والنحل علي أساس التعايش والموادعة‏,‏ أما أن أتباع هذه العقائد علي خطأ أو صواب‏,‏ فهذا شأن الله وحده‏.‏‏(1)‏ عجيب أمر تلك الفتوي المجهولة التي قالت إن الوصية أو التبرع بالمال لبناء كنيسة هي معصية‏,‏ تماثل التبرع لبناء أندية القمار والملاهي وأماكن تربية القطط والكلاب والخنازير‏.‏
فأولا صاحبها‏,‏ عنصري وجاهل فهو يضع الكنيسة‏,‏ وهي بيت من بيوت الله له جلاله واحترامه‏,‏ في مرتبة واحدة مع أندية القمار والملاهي الليلية وأماكن تربية القطط والكلاب والخنازير ومثل هذه التشبيهات لا يمكن أن تصدر عن إنسان سليم‏,‏ فكل هم صاحب هذه الفتوي‏,‏ هو الحط من شأن الأقباط‏,‏ وتحقيرهم وسبهم‏,‏ وهدف ذلك تقليد أحط أنواع البشر الذين تسيطر عليهم النزعات العنصرية البغيضة‏,‏ إنها تذكرنا بالعنصريين في ألمانيا النازية عندما كانوا يقولون هذا مكان ممنوع لليهود والكلاب وتذكرنا أيضا بالعنصريين البيض في أمريكا عندما كانوا يحرمون مناطق معينة علي الكلاب والسود‏!.‏
ثم ما الخطأ في إقامة دور لرعاية القطط والكلاب الضالة؟ أليس الأفضل رعايتها لتجنيب الناس شرها؟ ثم أليست هي مخلوقات الله‏,‏ من حقنا‏,‏ بل من واجبنا أن نرعاها ونوفر لها الطعام والشراب والصحة إذا كان ذلك في وسعنا؟‏.‏
أين صاحب هذه الفتوي من المرأة التي ستدخل الجنة لأنها سقت كلبا؟‏.‏
هل هناك معصية في التراحم والتواصل بين بني البشر؟ فالتبرع لبناء الكنائس والمعابد والمساجد ومختلف دور العبادة لكل الناس علي اختلاف دياناتهم وسيلة مهمة لذلك‏.‏ لقد خلق الله الناس من شعوب وقبائل متباينة‏,‏ يتبعون عقائد علي كل صنف ولون‏,‏ وعلمنا أن لكم دينكم ولي دين وأن كل نفس بما كسبت رهينة وأن لا إكراه في الدين‏.‏‏(2)‏ إذا كان الدين من المكونات القوية للمجتمعات‏,‏ فكيف تستقيم الحياة إذا كان أنصار كل ديانة أو عقيدة‏,‏ يحتقرون المخالفين لهم؟ الواقع يقول إن مثل هذه النوازع هي إعلان للحرب الأهلية‏,‏ حيث يقف أتباع كل عقيدة للآخرين‏,‏ إما أن يتركوا عقائدهم ويتبعوهم أو ستحق عليهم اللعنة وبالتالي تندلع صراعات دموية‏.‏
هل هذا هو شكل المجتمع الذي نريده لمصر؟ نحن نعلم أن الرسول صلي الله عليه وسلم تعايش في المدينة مع اليهود‏,‏ وكان يحاورهم بالتي هي أحسن ولم يحاول أبدا أن يحقر أو يزدري ديانتهم‏,‏ والصدام الذي وقع بينه وبينهم لم يكن لأمور الدين بل لقضايا ترتبط بالدنيا‏.‏
ولكي لا نوغل في التاريخ القديم لماذا لا نستدعي التاريخ القريب؟ فمستشفي الجمعية الخيرية الإسلامية‏(‏ العجوزة حاليا‏)‏ شارك في بنائه أقباط بأموالهم خلال النصف الأول من القرن الـ‏20,‏ وكذلك تبرع مسلمون بأموالهم لبناء المستشفي القبطي في الفترة نفسها تقريبا‏,‏ هل هناك خطأ في أن يتعاون سكان هذا البلد علي اختلاف عقائدهم ودياناتهم علي عمارة هذا البلد؟‏.‏
ما الخطأ في أن يتبرع كل المصريين سواء كانوا مسلمين أو أقباطا أو يهودا أو حتي لادينيين بأموالهم من أجل بناء المدارس والجامعات والمصانع والمنازل والمساجد والكنائس ومختلف دور العبادة؟ إنهم يموتون جميعا تحت علم واحد‏,‏ وكلهم مصريون‏,‏ فكيف نفرق بينهم علي أساس من اللون أو العقيدة‏,‏ أو أن هذا رجل وتلك امرأة؟‏.‏
كل هذه الأفكار والتصورات البالية والكريهة والمتخلفة يجب أن تنتهي‏..‏ أعرف أنها تحتاج لفترة من الزمن ولكن لابد من الوقوف لها بالمرصاد‏.‏‏(3)‏ لفتت الأنظار المظاهرات التي نظمها المصريون في أمريكا بمناسبة زيارة الرئيس مبارك‏,‏ والحقيقة إن جانبا من هذه المظاهرات كان للترحيب‏,‏ وجانبا آخر كان للمطالبة بمزيد من الحريات وحقوق المواطنة في مختلف المجالات‏,‏ وليس صحيحا أن الأقباط في المهجر أو في مصر هم فقط الذين لديهم هذه المطالب‏,‏ فالواقع يقول إن الجميع ـ مسلمين ومسيحيين ـ في مصر يشتركون فيها‏,‏ وعندما تتحقق هذه المطالب فلسوف يعم الخير الجميع بلا تفرقة‏.‏
وليس من الصواب القول إن الأقباط هم وحدهم الذين يشعرون بدرجة من الغبن والظلم‏,‏ سواء في الوظائف العامة‏,‏ أو في الترقيات‏,‏ أو المناصب‏,‏ أو الانتخابات‏,‏ فأي استطلاع حقيقي وواقعي سوف يكشف أن الغبن في هذا المقام يشعر به الجميع بصرف النظر عن ديانتهم ولذلك فليس من الصواب المطالبة بحل المشكلات علي أساس فئوي‏,‏ أو طائفي في هيئة نظام الكوتا‏(‏ الحصص‏)..‏ بل الصحيح المطالبة بالإصلاح علي أساس عام وشامل‏,‏ بحيث يشمل الكل‏,‏ بصرف النظر عن عقائدهم أو ألوانهم‏,‏ وليس هناك خطأ في المظاهرات من أجل رفع مطالب معينة‏..‏ فهذه أحد أشكال التعبير المقبولة في عالم اليوم عن المطالب والرغبة في التغيير ـ فقط المطلوب أن تكون الدعوة للإصلاح عامة وليست مقصورة علي فئة أو جماعة من الناس‏.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق