تتفشى فى المجتمعات التى تطلق على نفسها دولا إسلامية ظاهرة قمع وإضطهاد الاقليات غير المسلمة فيها، وفى نفس الوقت تحاول الأقليات المسلمة وخاصة فى الغرب فرض ثقافتها وقيمها على مجتمعات الأغلبية التى تعيش فيها ولا تتورع عن التمرد وتهديد كيان الدولة ذاته حينما يتوفر لها ذلك، حتى أن بعض المحللين قالوا أن المسلمين لا يستطيعون التعايش بسلام مع غير المسلمين، وفى احيان كثيرة الواقع يقول ولا حتى من أنفسهم، فحجم الحروب الاهلية فى الدول التى تسمى إسلامية هو الأعلى فى العالم كله.. فالعنف الموجه للآخر أو للذات هو سمة مميزة للدول الإسلامية .. ولهذا اطلق هنتنجتون على هذه الظاهرة " عصر حروب المسلمين"، ويعود ذلك فى تقديرى إلى سيادة نمط الدولة الدينية فيها وخلط الدين مع الدولة والسياسة فى هذه المجتمعات مما شكل البناء العقلى للفرد على اساس الدين وليس الوطن،وتاريخ الدول الدينية هو تاريخ من الحروب والصراعات والمنازعات.. فالدول الإسلامية تعيش حاليا مرحلة العصور الوسطى الاوروبية المظلمة.
فى نفس الوقت تستنكر المجتمعات الإسلامية على أقلياتها غير المسلمة مجرد المطالبة بحقوقها المشروعة وتصنف ذلك عملا طائفيا موجه ضد الدولة الأسلامية.
وتعد مصر نموذجا لهذه المعايير المزدوجة والمقلوبة،فكل مرة يفتح قبطى فاه مطالبا بحقوق شعبه المضطهد تنهال عليه الاتهامات بأنه طائفى يسعى لتهديد وحدة الوطن...وهو نوع من الإرهاب لنشطاء الأقلية،وما يدهشك أن هذا ليس رأى المتشددين وأنما رأى كثير ممن يطلقون على انفسهم معتدلين..وهذا هو جوهر الذمية،فالجزية الغيت نعم ولكن الذمية بأشكالها الحديثة مازالت تحكم علاقة المسلم بغير المسلم فى الدول الإسلامية... وهذا ما يعرفه كل دارس أمين للمجتمعات الإسلامية.. وهو ما قرره الصحفى البريطانى المخضرم بن برادلى فى كتابه " من داخل مصر...أرض الفراعنة على حافة ثورة" الصادر فى عام 2008 إذ يلخص برادلى العلاقة بين المسلمين والأقباط فى عبارة كاشفة جامعة مانعة بقوله " العلاقة بين المسلمين والأقباط فى مصر ودية طالما تقبل المسيحيون أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وهذا هو موقف المسلمين المعتدلين، أما المتشددين فلا يقبلون حتى بذلك"... وهذا ما يسميه المعتدلون بالتعايش وهو القبول بعدد من الشروط التمييزية كشرط للآمان للأقلية أما المتشددون فالتكفير هو سلاحهم ونشر الكراهية طريقهم والعنف أداتهم.
وإذا اخذنا بالمنطق الاعوج بتصنيف كل من يدافع عن الإضطهاد الواقع على طائفته بأنه طائفى فوفقا لذلك فأن مارتن لوثر كنج طائفى وكان عليه أن ينتظر حتى يظهر رجل أبيض يحرر شعبه من مذلته أو أن يتبع هو رجل أبيض معتدل كما يكررون على مسامعنا فى مصر بشكل ممل، ونيلسون مانديلا طائفى لأنه دافع عن السود دون البيض، وكولن باول الذى خالف حزبه الجمهورى وأيد اوباما من آجل تحقيق العدالة للأقلية التى ينتمى اليها فى هذه اللحظة التاريخية طائفى، واوبرا وينفرى التى تخلت عن حزبها الجمهورى لنفس السبب وشاركت فى حملات اوباما الانتخابية هى الأخرى طائفية، وكوندليزا رايس الجمهورية المحافظة طائفية أيضا لنفس السبب، بل وبنفس المنطق فالرئيس اوباما المعروف بليبراليته هو طائفى أيضا لأنه عنف شرطى أبيض الشهر الماضى استهدف استاذا أسود فى جامعة هارفارد... والأمثلة كثيرة ولا تحصى.
هناك خلط متعمد فى المجتمعات الإسلامية بين التعددية الدينية وما يترتب عليها من حقوق تنظمها وتقرها المواطنة الحديثة وحقوق الأقليات وبين الطائفية والتى لها العديد من الصفات المهددة لكيان الدولة ذاته.
وقد حاولت من جانبى أن اضع سمات للطائفية من خلال مفهوم الدولة الحديثة والمواثيق الدولية فوجدتها كالاتى:
1-الطائفية هى استراتيجية سياسية لتدمير الدولة عبر تفكيك القواعد الحاكمة للمواطنة فى الدولة الحديثة.
2-والطائفية هى أن تتحول الشرطة إلى حارس لأحد الأديان الخاص بطائفة معينة وتنسق مع المؤسسات الدينية لهذه الطائفة من آجل حراسة عقيدتها ومطاردة كل من يقترب من هذه العقيدة أو يسعى لتركها.
3-والطائفية هى استغلال مؤسسات التنشئة السياسية والاجتماعية للترويج لدين أو لمذهب طائفة معينة فى عملية هى أقرب إلى غسيل المخ وتشويه للذاكرة الوطنية وللوعى الوطنى.
4-والطائفية هى تسخير كافة مؤسسات الدولة لصالح عقيدة أو مذهب طائفة محددة دون باقى طوائف المجتمع، بل على العكس تقمع الدولة الطوائف الأخرى.
5-الطائفية هى قمع الآخر الذى يشكل أقلية وإرهابه عندما ينادى بالمساواة والحقوق.
6-والطائفية هى ظلم طائفة للطوائف الأخرى مما يجعل العيش المشترك صعب وفى بعض الأحيان مستحيل.
7-الطائفية أيضا ترتبط بالمليشياوية أو بسيطرة طائفة محددة على الاجهزة الأمنية السيادية والحساسة وحرمان الطوائف الأخرى من الالتحاق بها أو السماح بتواجدها بشكل رمزى تافه.
8-الطائفية هى إعلاء مبادئ وقيم عقيدة دينية أو ثقافة عرقية على القيم الإنسانية المشتركة أو بما يتناقض مع مقررات حقوق الإنسان الدولية.
9-والطائفية هى سحق ثقافة الطوائف الصغيرة من مكونات الدولة وإقصائها وتهميشها وفى الحالات المتطرفة تجريمها.
10-والطائفية تحدث عندما يهدر القانون والقضاء مبدأ المساواة لإعلاء عقيدة طائفة فى المجتمع على حساب الحق الأصيل فى المساواة.
11-والطائفية هى سلخ تاريخ طائفة محددة عن التاريخ الوطنى العام،أو تهميش تاريخ الوطن لصالح إبراز تاريخ طائفة محددة،أو تزوير تاريخ الوطن لصالح تمجيد تاريخ الطائفة المسيطرة.
12-والطائفية ترتبط بالإستعلاء على الآخر شريك الوطن وبالعنصرية فى بعض مراحلها.
13-والطائفية ترتبط بالتعصب والسلوك العصابى فى الحق وفى الباطل.
14-والطائفية تتناقض تماما مع مبدأ المواطنة وتعمل على اهداره.
15-والطائفية تحدث عندما يكون المناداة بالحقوق يتعدى سقف المواطنة لتحقيق مزايا لطائفة بعينها على حساب الحقوق المقررة فى المواطنة فى الدولة الحديثة.
16-والطائفية لديها أجندة لتجزئة وتفتييت الاوطان،أو ترتكب من الخطايا ما يجعل العيش المشترك مستحيلا فيؤدى ذلك إلى تفكيك الدول.
17-والطائفية هى تقديم الولاءات الفرعية والطائفية على الولاء للدولة بما يخل بالقواعد الحاكمة لمفهوم الدولة الحديثة.. وهذا يختلف بالطبع عن التضامن الإنسانى الطبيعى بين افراد الطائفة الواحدة.
18-والطائفى شخص يقاد ويأخذ أومره مباشرة من زعيم الطائفة ويتباهى بذلك، ويكون لهذه الاوامر الطائفية الاولوية على الواجبات الوطنية، حتى ولو تعارضت هذه الاوامر مع الواجبات الوطنية، فلا تجتمع الوطنية مع الطائفية.
19- والطائفية هى شرذمة المجتمع إلى جماعات متباعدة الاهداف وفى بعض الاحيان متعارضة الاهداف.
20-الطائفية هو عبور الولاء للطائفة أو العقيدة أو للعرق الحدود الوطنية على حساب الإنتماء للدولة الوطنية، وعندما يكون التضامن العابر للحدود مع الطائفة له الاولوية على التضامن مع شركاء الوطن من الطوائف الأخرى.
والسؤال هل السمات التى ذكرتها تنطبق على سلوك نشطاء الأقباط الذين يتحركون لتحقيق المواطنة لشعبهم وبآليات مشروعة قانونيا ودوليا أم على من يتهمونهم بالطائفية ويسعون لقمعهم وإرهابهم حتى يتوقفوا عن المناداة بهذه الحقوق؟.
الحقيقة أن سمات الطائفية تعشعش فى ذهن التيار الرئيسى من الأغلبية التى تهدد بسلوكها تجاه الأقلية استقرار الوطن، ولهذا أكرر القول بأن الأغلبية صنعت التوتر والأقلية القبطية حافظت على استقرار مصر بامتصاص هذا التوتر.
عندما نقول دعنا من الاختلافات ولنركز على بناء المواطنة الحديثة نجد كلام رنان بدون عمل وبدون نضال حقيقى من آجل اقرار هذه المواطنة التى لا تستقيم إلا بالتحقيق العادل فى الجرائم التى تقع على الأقلية، وتحقيق المساواة الحقيقية والمشاركة الفعالة والتى لها آلياتها التى آخذت بها المجتمعات المعاصرة ومنها التمييز الإيجابى لصالح الأقلية لمعالجة المظالم التاريخية.
عندما نقول دعنا من الاختلافات الدينية ولنعود لتاريخ مصر قبل الاديان بعترض الكثيرون بحجة أن الميراث القبطى من الفرعونية أعلى بكثير من الميراث الإسلامى منها... وهنا يكمن المأزق المتمثل فى محاولة الثقافة الإسلامية محو هوية مصر قبل الإسلام، وأن هذه الثقافة لا تتعايش مع هوية وطنية جامعة.
اغلب الكتابات العربية التى تناولت الطائفية تثير الغثيان من نمطيتها وتكرارها ومحاولاتها المستمرة تحميل الاستعمار الغربى المسئولية عن وجود طائفية فى المنطقة متجاهلة قمع التعددية الدينية والإثنية ومحاولة طمث التاريخ المشترك والهوية الوطنية الجامعة، وحتى النموذج الذى تقدمه هذه الكتابات وهو النموذج اللبنانى هو أيضا نموذج لا يصلح كمثال، فلبنان بلد صغير به 13 طائفة تحاول بناء العيش المشترك وجاءت كوارثه من خارجه ورغم هذا فهو افضل من كثير من الدول العربية، فى حين أن مصر ليست بها سوى أغلبية كبيرة وأقلية صغيرة وبعض الأقليات الصغيرة جدا مما يجعل المسئولية الرئيسية تقع على عاتق الأغلبية بدون تهديدنا بالنموذج اللبنانى وبلبننة مصر وهى مقولات سمجة عفى عليها الزمن.
وكما يقول د. برهان غليون لا يستقيم مفهوم الدولة بدون المصلحة العامة وعلى رأس هذه المصالح ضمان الحقوق واحترامها، فالحق مصلحة عامة كبرى، ومن دون الإعتراف بحقوق أساسية، أى طبيعية مقدسة وثابتة يشكل احترامها وضمانها مصدر شرعية أى سلطة، لا يمكن قيام أى نظام اجتماعى. وقاعدة المساواة فى الحقوق بين الأفراد بصرف النظر عن جنسهم أو دينهم أو مذهبهم، هى اليوم القاعدة الوحيدة التى تشكل أساس مفهوم الحق ومصدر شرعيته.
ويخلص برهان غليون أن التعددية الدينية او الاثنية ليست هى المسئولة عن الطائفية فى البلدان العربية وأنما افتقار الدول العربية لمبدأ الحق، أو اقتصارها على مفاهيم للحق بدائية تمييزية أو استبعادية، وهى ما يسميها بالوطنية المغشوشة.
ويبقى السؤال لماذا يشارك بعض الأقباط فى وصم نشطاء طائفتهم من المناضلين بالطائفية؟
الاسباب متعددة لذلك تبدأ بمجاراة التيار العام وتنتهى بالعمالة ومنها:
● التشبع بثقافة الأغلبية وبتأثير غسيل المخ الثقافى والسياسى الذى تبثه المؤسسات التى تسيطر عليها الأغلبية.
● محاولة حيازة القبول العام لدى الأغلبية مثل وصفهم بالمعتدلين أو الوطنيين أو المفكرين الأقباط.
● لتحقيق مصالح خاصة تجعل صاحبها لا يجرؤ على تعدى الخطوط الحمراء التى تقررها الأغلبية ومؤسساتها كما تفعل الكثير من العائلات القبطية الكبيرة ومعظم الشخصيات القبطية المعروفة، ويحضرنى نموذج لعضوة بالتعيين فى مجلس الشعب الحالى منذ سنتين وهى تطنطن بحق الأقباط فى التمييز الإيجابى، ولكن عندما حسم جمال مبارك النقاش برفض ذلك مؤخرا ورفض كوتة الأقباط تحركت على الفور من منبر إعلامى إلى آخر تفلسف وتبرطم لماذا ترفض الكوتة ومثلها الكثيرون من الأقباط من اصحاب المصالح أيضا، وها هو مبارك يعلن بنفسه بأن الأنتخابات القادمة ستكون بالنظام الفردى وليس بالقائمة ، فكيف سيحل هؤلاء الاشاوس معضلة تمثيل الأقباط يا ترى؟.
● وهناك من الأقلية ممن يستعذب المذلة وينبهر بجلاده ويبرر كل محنة تحل به بأنها نعمة وبركة من العناية الإلهية وهو ما يسميهم د. مجدى سامى زكى " السعداء بالعبودية".
● وهناك الفئة الرابعة وهم العملاء الذين يعملون كموظفيين فى أجهزة محددة من آجل إيقاع الضرر بطائفتهم.
فى نهاية مقالتى ليس لدى شئ اقوله لكل النشطاء الذين يناضلون من أجل رفع الظلم عن شعبهم ومن أجل حقوق الأنسان والحرية والعدالة والمساواة سوى الرسالة التى قالها البابا الراحل يوحنا بولس الثانى فى زيارته التاريخية لبولونيا عام 1979 بعد اختياره لبابوية روما، "كونوا شجعانا"، وهى الكلمة السحرية التى كانت بداية النهاية لدول الستار الحديدى، فالظلم مهما طال لا بد وأن يأتى اليوم الذى يشرق فيه شمس الحرية والعدالة... ولكن لتقصير الوقت علينا جميعا أن نكون شجعانا.
فى نفس الوقت تستنكر المجتمعات الإسلامية على أقلياتها غير المسلمة مجرد المطالبة بحقوقها المشروعة وتصنف ذلك عملا طائفيا موجه ضد الدولة الأسلامية.
وتعد مصر نموذجا لهذه المعايير المزدوجة والمقلوبة،فكل مرة يفتح قبطى فاه مطالبا بحقوق شعبه المضطهد تنهال عليه الاتهامات بأنه طائفى يسعى لتهديد وحدة الوطن...وهو نوع من الإرهاب لنشطاء الأقلية،وما يدهشك أن هذا ليس رأى المتشددين وأنما رأى كثير ممن يطلقون على انفسهم معتدلين..وهذا هو جوهر الذمية،فالجزية الغيت نعم ولكن الذمية بأشكالها الحديثة مازالت تحكم علاقة المسلم بغير المسلم فى الدول الإسلامية... وهذا ما يعرفه كل دارس أمين للمجتمعات الإسلامية.. وهو ما قرره الصحفى البريطانى المخضرم بن برادلى فى كتابه " من داخل مصر...أرض الفراعنة على حافة ثورة" الصادر فى عام 2008 إذ يلخص برادلى العلاقة بين المسلمين والأقباط فى عبارة كاشفة جامعة مانعة بقوله " العلاقة بين المسلمين والأقباط فى مصر ودية طالما تقبل المسيحيون أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وهذا هو موقف المسلمين المعتدلين، أما المتشددين فلا يقبلون حتى بذلك"... وهذا ما يسميه المعتدلون بالتعايش وهو القبول بعدد من الشروط التمييزية كشرط للآمان للأقلية أما المتشددون فالتكفير هو سلاحهم ونشر الكراهية طريقهم والعنف أداتهم.
وإذا اخذنا بالمنطق الاعوج بتصنيف كل من يدافع عن الإضطهاد الواقع على طائفته بأنه طائفى فوفقا لذلك فأن مارتن لوثر كنج طائفى وكان عليه أن ينتظر حتى يظهر رجل أبيض يحرر شعبه من مذلته أو أن يتبع هو رجل أبيض معتدل كما يكررون على مسامعنا فى مصر بشكل ممل، ونيلسون مانديلا طائفى لأنه دافع عن السود دون البيض، وكولن باول الذى خالف حزبه الجمهورى وأيد اوباما من آجل تحقيق العدالة للأقلية التى ينتمى اليها فى هذه اللحظة التاريخية طائفى، واوبرا وينفرى التى تخلت عن حزبها الجمهورى لنفس السبب وشاركت فى حملات اوباما الانتخابية هى الأخرى طائفية، وكوندليزا رايس الجمهورية المحافظة طائفية أيضا لنفس السبب، بل وبنفس المنطق فالرئيس اوباما المعروف بليبراليته هو طائفى أيضا لأنه عنف شرطى أبيض الشهر الماضى استهدف استاذا أسود فى جامعة هارفارد... والأمثلة كثيرة ولا تحصى.
هناك خلط متعمد فى المجتمعات الإسلامية بين التعددية الدينية وما يترتب عليها من حقوق تنظمها وتقرها المواطنة الحديثة وحقوق الأقليات وبين الطائفية والتى لها العديد من الصفات المهددة لكيان الدولة ذاته.
وقد حاولت من جانبى أن اضع سمات للطائفية من خلال مفهوم الدولة الحديثة والمواثيق الدولية فوجدتها كالاتى:
1-الطائفية هى استراتيجية سياسية لتدمير الدولة عبر تفكيك القواعد الحاكمة للمواطنة فى الدولة الحديثة.
2-والطائفية هى أن تتحول الشرطة إلى حارس لأحد الأديان الخاص بطائفة معينة وتنسق مع المؤسسات الدينية لهذه الطائفة من آجل حراسة عقيدتها ومطاردة كل من يقترب من هذه العقيدة أو يسعى لتركها.
3-والطائفية هى استغلال مؤسسات التنشئة السياسية والاجتماعية للترويج لدين أو لمذهب طائفة معينة فى عملية هى أقرب إلى غسيل المخ وتشويه للذاكرة الوطنية وللوعى الوطنى.
4-والطائفية هى تسخير كافة مؤسسات الدولة لصالح عقيدة أو مذهب طائفة محددة دون باقى طوائف المجتمع، بل على العكس تقمع الدولة الطوائف الأخرى.
5-الطائفية هى قمع الآخر الذى يشكل أقلية وإرهابه عندما ينادى بالمساواة والحقوق.
6-والطائفية هى ظلم طائفة للطوائف الأخرى مما يجعل العيش المشترك صعب وفى بعض الأحيان مستحيل.
7-الطائفية أيضا ترتبط بالمليشياوية أو بسيطرة طائفة محددة على الاجهزة الأمنية السيادية والحساسة وحرمان الطوائف الأخرى من الالتحاق بها أو السماح بتواجدها بشكل رمزى تافه.
8-الطائفية هى إعلاء مبادئ وقيم عقيدة دينية أو ثقافة عرقية على القيم الإنسانية المشتركة أو بما يتناقض مع مقررات حقوق الإنسان الدولية.
9-والطائفية هى سحق ثقافة الطوائف الصغيرة من مكونات الدولة وإقصائها وتهميشها وفى الحالات المتطرفة تجريمها.
10-والطائفية تحدث عندما يهدر القانون والقضاء مبدأ المساواة لإعلاء عقيدة طائفة فى المجتمع على حساب الحق الأصيل فى المساواة.
11-والطائفية هى سلخ تاريخ طائفة محددة عن التاريخ الوطنى العام،أو تهميش تاريخ الوطن لصالح إبراز تاريخ طائفة محددة،أو تزوير تاريخ الوطن لصالح تمجيد تاريخ الطائفة المسيطرة.
12-والطائفية ترتبط بالإستعلاء على الآخر شريك الوطن وبالعنصرية فى بعض مراحلها.
13-والطائفية ترتبط بالتعصب والسلوك العصابى فى الحق وفى الباطل.
14-والطائفية تتناقض تماما مع مبدأ المواطنة وتعمل على اهداره.
15-والطائفية تحدث عندما يكون المناداة بالحقوق يتعدى سقف المواطنة لتحقيق مزايا لطائفة بعينها على حساب الحقوق المقررة فى المواطنة فى الدولة الحديثة.
16-والطائفية لديها أجندة لتجزئة وتفتييت الاوطان،أو ترتكب من الخطايا ما يجعل العيش المشترك مستحيلا فيؤدى ذلك إلى تفكيك الدول.
17-والطائفية هى تقديم الولاءات الفرعية والطائفية على الولاء للدولة بما يخل بالقواعد الحاكمة لمفهوم الدولة الحديثة.. وهذا يختلف بالطبع عن التضامن الإنسانى الطبيعى بين افراد الطائفة الواحدة.
18-والطائفى شخص يقاد ويأخذ أومره مباشرة من زعيم الطائفة ويتباهى بذلك، ويكون لهذه الاوامر الطائفية الاولوية على الواجبات الوطنية، حتى ولو تعارضت هذه الاوامر مع الواجبات الوطنية، فلا تجتمع الوطنية مع الطائفية.
19- والطائفية هى شرذمة المجتمع إلى جماعات متباعدة الاهداف وفى بعض الاحيان متعارضة الاهداف.
20-الطائفية هو عبور الولاء للطائفة أو العقيدة أو للعرق الحدود الوطنية على حساب الإنتماء للدولة الوطنية، وعندما يكون التضامن العابر للحدود مع الطائفة له الاولوية على التضامن مع شركاء الوطن من الطوائف الأخرى.
والسؤال هل السمات التى ذكرتها تنطبق على سلوك نشطاء الأقباط الذين يتحركون لتحقيق المواطنة لشعبهم وبآليات مشروعة قانونيا ودوليا أم على من يتهمونهم بالطائفية ويسعون لقمعهم وإرهابهم حتى يتوقفوا عن المناداة بهذه الحقوق؟.
الحقيقة أن سمات الطائفية تعشعش فى ذهن التيار الرئيسى من الأغلبية التى تهدد بسلوكها تجاه الأقلية استقرار الوطن، ولهذا أكرر القول بأن الأغلبية صنعت التوتر والأقلية القبطية حافظت على استقرار مصر بامتصاص هذا التوتر.
عندما نقول دعنا من الاختلافات ولنركز على بناء المواطنة الحديثة نجد كلام رنان بدون عمل وبدون نضال حقيقى من آجل اقرار هذه المواطنة التى لا تستقيم إلا بالتحقيق العادل فى الجرائم التى تقع على الأقلية، وتحقيق المساواة الحقيقية والمشاركة الفعالة والتى لها آلياتها التى آخذت بها المجتمعات المعاصرة ومنها التمييز الإيجابى لصالح الأقلية لمعالجة المظالم التاريخية.
عندما نقول دعنا من الاختلافات الدينية ولنعود لتاريخ مصر قبل الاديان بعترض الكثيرون بحجة أن الميراث القبطى من الفرعونية أعلى بكثير من الميراث الإسلامى منها... وهنا يكمن المأزق المتمثل فى محاولة الثقافة الإسلامية محو هوية مصر قبل الإسلام، وأن هذه الثقافة لا تتعايش مع هوية وطنية جامعة.
اغلب الكتابات العربية التى تناولت الطائفية تثير الغثيان من نمطيتها وتكرارها ومحاولاتها المستمرة تحميل الاستعمار الغربى المسئولية عن وجود طائفية فى المنطقة متجاهلة قمع التعددية الدينية والإثنية ومحاولة طمث التاريخ المشترك والهوية الوطنية الجامعة، وحتى النموذج الذى تقدمه هذه الكتابات وهو النموذج اللبنانى هو أيضا نموذج لا يصلح كمثال، فلبنان بلد صغير به 13 طائفة تحاول بناء العيش المشترك وجاءت كوارثه من خارجه ورغم هذا فهو افضل من كثير من الدول العربية، فى حين أن مصر ليست بها سوى أغلبية كبيرة وأقلية صغيرة وبعض الأقليات الصغيرة جدا مما يجعل المسئولية الرئيسية تقع على عاتق الأغلبية بدون تهديدنا بالنموذج اللبنانى وبلبننة مصر وهى مقولات سمجة عفى عليها الزمن.
وكما يقول د. برهان غليون لا يستقيم مفهوم الدولة بدون المصلحة العامة وعلى رأس هذه المصالح ضمان الحقوق واحترامها، فالحق مصلحة عامة كبرى، ومن دون الإعتراف بحقوق أساسية، أى طبيعية مقدسة وثابتة يشكل احترامها وضمانها مصدر شرعية أى سلطة، لا يمكن قيام أى نظام اجتماعى. وقاعدة المساواة فى الحقوق بين الأفراد بصرف النظر عن جنسهم أو دينهم أو مذهبهم، هى اليوم القاعدة الوحيدة التى تشكل أساس مفهوم الحق ومصدر شرعيته.
ويخلص برهان غليون أن التعددية الدينية او الاثنية ليست هى المسئولة عن الطائفية فى البلدان العربية وأنما افتقار الدول العربية لمبدأ الحق، أو اقتصارها على مفاهيم للحق بدائية تمييزية أو استبعادية، وهى ما يسميها بالوطنية المغشوشة.
ويبقى السؤال لماذا يشارك بعض الأقباط فى وصم نشطاء طائفتهم من المناضلين بالطائفية؟
الاسباب متعددة لذلك تبدأ بمجاراة التيار العام وتنتهى بالعمالة ومنها:
● التشبع بثقافة الأغلبية وبتأثير غسيل المخ الثقافى والسياسى الذى تبثه المؤسسات التى تسيطر عليها الأغلبية.
● محاولة حيازة القبول العام لدى الأغلبية مثل وصفهم بالمعتدلين أو الوطنيين أو المفكرين الأقباط.
● لتحقيق مصالح خاصة تجعل صاحبها لا يجرؤ على تعدى الخطوط الحمراء التى تقررها الأغلبية ومؤسساتها كما تفعل الكثير من العائلات القبطية الكبيرة ومعظم الشخصيات القبطية المعروفة، ويحضرنى نموذج لعضوة بالتعيين فى مجلس الشعب الحالى منذ سنتين وهى تطنطن بحق الأقباط فى التمييز الإيجابى، ولكن عندما حسم جمال مبارك النقاش برفض ذلك مؤخرا ورفض كوتة الأقباط تحركت على الفور من منبر إعلامى إلى آخر تفلسف وتبرطم لماذا ترفض الكوتة ومثلها الكثيرون من الأقباط من اصحاب المصالح أيضا، وها هو مبارك يعلن بنفسه بأن الأنتخابات القادمة ستكون بالنظام الفردى وليس بالقائمة ، فكيف سيحل هؤلاء الاشاوس معضلة تمثيل الأقباط يا ترى؟.
● وهناك من الأقلية ممن يستعذب المذلة وينبهر بجلاده ويبرر كل محنة تحل به بأنها نعمة وبركة من العناية الإلهية وهو ما يسميهم د. مجدى سامى زكى " السعداء بالعبودية".
● وهناك الفئة الرابعة وهم العملاء الذين يعملون كموظفيين فى أجهزة محددة من آجل إيقاع الضرر بطائفتهم.
فى نهاية مقالتى ليس لدى شئ اقوله لكل النشطاء الذين يناضلون من أجل رفع الظلم عن شعبهم ومن أجل حقوق الأنسان والحرية والعدالة والمساواة سوى الرسالة التى قالها البابا الراحل يوحنا بولس الثانى فى زيارته التاريخية لبولونيا عام 1979 بعد اختياره لبابوية روما، "كونوا شجعانا"، وهى الكلمة السحرية التى كانت بداية النهاية لدول الستار الحديدى، فالظلم مهما طال لا بد وأن يأتى اليوم الذى يشرق فيه شمس الحرية والعدالة... ولكن لتقصير الوقت علينا جميعا أن نكون شجعانا.
أدعوكم إلى قراءة تلخيصاً لمجموعة من الأبحاث العلمية تتناول الطائفية وحقوق المواطنة في عدة بلدان في الشرق الأوسط وأوروبا.
ردحذف